“أزمة إنسانية: قمع وإساءة نظامية للأسرى الفلسطينيين من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية”
مع بداية العدوان المستمر منذ بدء حرب الإبادة، انتهجت منظومة الاحتلال سياسات قمع وانتقام شديدة ضد الأسرى الفلسطينيين داخل السجون. ورغم كل التضيقات التي فرضتها سلطات الاحتلال منذ تولي حكومة المستوطنين الأكثر تطرفًا، إلا أن القمع بلغ ذروته منذ بداية الحرب. بدأت السلطات بقمع الأسرى، وضربهم، وتعذيبهم، وتجويعهم، وممارسة اعتداءات جنسية بحقهم.
سجلت المئات من الإصابات بين صفوف الأسرى والأسيرات الذين تعرضوا للاعتداءات من قبل وحدات القمع. تنوعت سبل التنكيل بين تعطيشهم وتجويعهم بالإضافة إلى سحب كل مستلزمات الحياة الأساسية والإبقاء على الحد الأدنى منها. تم سحب جميع الأدوات الكهربائية وعزلهم عن العالم الخارجي. زُج العشرات في غرف صغيرة لا تتسع لهم، مع سحب البطانيات والفراش.
تركزت عمليات التعذيب والتنكيل في المعسكرات التابعة لإدارة الجيش والسجون المركزية تحت سلطة “مصلحة السجون الإسرائيلية”. ومن بين السجون المعروفة سجن النقب، حيث تعرض الأسرى والمعتقلون لأساليب قمع مروعة.
لم يُستثنَ أي أسير من عمليات القمع، بما في ذلك الأطفال والنساء والمرضى وكبار السّن. تم توثيق استشهاد العديد من الأسرى والمعتقلين داخل سجون الاحتلال نتيجة للتعذيب والإهمال الطبي والظروف القاسية التي يعيشونها.
وفيما يتعلق بحادثة معتقلي غزة، فقد ارتقى (18) أسيرًا تم الإعلان عن هوياتهم، بينما لا يزال الاحتلال يخفي هويات آخرين من الشهداء.
نحن نحث المجتمع الدولي بشدة على التدخل الفوري لوقف هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والعمل على تحقيق العدالة للضحايا. يجب على السلطات الإسرائيلية القيام بتحقيقات شفافة ومستقلة وتقديم المسؤولين عن هذه الجرائم البشعة إلى العدالة. يتعين أن يكون للمجتمع الدولي دور فعّال في مراقبة الوضع داخل السجون الإسرائيلية ومعسكراتها والضغط لضمان احترام القوانين الدولية الإنسانية وحقوق الأسرى والمعتقلين.
جريمة التجويع
الجريمة التي تمثلها سياسة الجوع تمثل إحدى أوضح السياسات النظامية التي تنفذها القوات الاحتلالية حالياً ضد السجناء. هذه السياسة أثرت مباشرة على حياتهم وأوضاع صحتهم، مما أدى إلى وفاة عدد من الأفراد. بالإضافة إلى التعذيب النظامي، فإن هذه السياسة أدت إلى تفاقم معاناة السجناء.
وبالإضافة إلى ذلك، أسفرت سياسة الجوع عن ظهور قضايا صحية مزمنة تؤثر على عدد كبير من السجناء. إن إنكار الغذاء الكافي بشكل متعمد لم يؤثر فقط على صحتهم الجسدية، بل ساهم أيضًا في تفاقم أوضاعهم المتدهورة مع مرور الوقت. هذا النهج النظامي ألحق بالسجناء معاناة هائلة واستُخدم كوسيلة للقمع والسيطرة.
تبرز عواقب هذه الأفعال بشكل عميق وواسع، مؤكدة الأزمة الإنسانية الخطيرة التي فرضت على السجناء. من الضروري أن يكون المجتمع الدولي على علم بتلك الانتهاكات النظامية التي تنتهك الحقوق الإنسانية الأساسية والمعايير الإنسانية.
إدارة السجون التابعة للاحتلال حرمت بشكل متعمد السجناء من “الكانتين” التي كانوا يعتمدون عليها بشكل أساسي لتوفير الطعام الكافي، الذي كانوا يضطرون لشرائه بأنفسهم. قبل النزاع، كانت إدارة السجون توفر وجبات ذات جودة ضعيفة، سواء من حيث الكم أو التنوع، لا يمكن مقارنتها بالوجبات المقدمة اليوم. خلال السنوات، اضطر السجناء إلى إعادة تسخين تلك الوجبات بأنفسهم. بالإضافة إلى ذلك، في مراحل النزاع الأولى، أمسكت إدارة السجن بشكل متعمد بما تبقى من الطعام من داخل الزنزانات والغرف عن السجناء.
بالرغم من التأثيرات الواضحة لسياسة الجوع على السجناء في الشهور الأخيرة، إلا أن الوزير المتطرف (بن جفير) لم يتوقف عند الجرائم المرتكبة ضد السجناء والمعتقلين، بما في ذلك قتلهم عبر التعذيب والجوع والإهمال الطبي. بل أثار أيضاً دعوات لقتل السجناء بواسطة إطلاق النار على رؤوسهم، بدلاً من توفير لهم الطعام اللائق.
نظراً للطعون المقدمة من منظمات حقوق الإنسان إلى المحكمة العليا للاحتلال، كجزء من جهودهم حول قضية الطعام المقدم للسجناء، نؤكد أن النظام القضائي للاحتلال هو الذراع الرئيسي في ترسيخ العديد من الجرائم ضد السجناء والمعتقلين. ومع ذلك، فإن الجهود المستمرة لمواجهة هذه الممارسات ومسائلة دور هذا النظام بشكل مستمر أمام الجرائم التي يرتكبها ضرورية.
ما يسمى “بالوجبات الغذائية السيئة” هي وجبات تتقاسمها السجناء، والتي غالباً ما لا تصلح للاستهلاك. غالباً ما يتم توفير سلع معلبة منتهية الصلاحية، خاصة في المرافق الاعتقالية التي تديرها القوات العسكرية.
سياسة الجوع لم تؤثر فقط على السجناء البالغين بل أيضاً على الأطفال والنساء والمرضى، بما في ذلك أولئك الذين لديهم احتياجات غذائية خاصة. تم احتجاز السجناء الحوامل بدون وصول إلى الطعام اللائق، في ظروف قاسية ومريرة. من الملفت للنظر أن من بين ضحايا سياسة الجوع وتوفير الطعام من جودة منخفضة كان الشهيد، السجين محمد أحمد الصبر الذي توفي في فبراير من هذا العام.
وعلاوة على ذلك، تعكس جميع الشهادات التي تم جمعها من السجناء من قبل هذه المؤسسات تلك السياسة بشكل واضح وكانت حاسمة في سرد معاناتهم الحالية. بالإضافة إلى ذلك، تعد صور السجناء المفرج عنهم دليلاً إضافياً.
“الجرائم الطبية: استخدام الحق بالعلاج أداة للتعذيب.
مرض الجرب (سكابيس) نموذجًا.
انتشر مرض الجرب بين صفوف الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، بخاصة في سجني النقب ومجدو، نتيجة لإجراءات اتخذتها إدارة السجون، مما ساهم في انتشار المرض بشكل كبير بينهم. تم رصد شهادات متعددة من الأسرى المصابين بالجرب، تثبت أن إدارة السجون تعمدت استخدام المرض كأداة للتعذيب والتنكيل، على الرغم من المخاطر الكبيرة على صحة السجناء، ولم يتمكن الأسرى من تشخيص الأمراض الجلدية الأخرى التي أصيبوا بها.
انعدام توفر أدنى الاحتياجات الأساسية مثل مواد التنظيف وتقليل كميات المياه وقدرة الأسرى على الاستحمام، ساهم في انتشار المرض بشكل كبير. بعض الأسرى خرجوا للزيارة وأجسامهم متضررة بسبب التقرحات والحكة الشديدة.
بالإضافة إلى ذلك، تم مصادرة جميع ممتلكات الأسرى بما في ذلك ملابسهم، مما جعل الأسرى يعتمدون على ملابس واحدة فقط، مع زيادة التكدس داخل الأقسام والحملات اليومية للاعتقال.
إن قلة التهوية وعزل الأسرى في زنازين خالية من ضوء الشمس، ساهما بشكل كبير في انتشار الأمراض. كما أن نقل الأسرى المصابين بأمراض معدية من قسم إلى قسم، أدى إلى زيادة أعداد الإصابات، بما في ذلك أطفال الأسرى.
الاعتداءات الجنسية.
شكّلت الاعتداءات الجنسية إحدى أبرز الجرائم التي نفّذتها قوات الاحتلال الإسرائيليّ بحقّ الأسرى والأسيرات، والتي تضمنت الاغتصاب، والتّحرش، والتّفتيش العاري، إضافة إلى التّهديد بالاغتصاب، وعدا عن إعلان الأمم المتحدة الواضح والذي صدر في شهر فبراير الماضي، عن وجود تقارير موثوقة بتعرض معتقلات من غزة للاغتصاب، فإن شهادات أخرى لمعتقلين، وأسرى أكدت تعرضهم لاعتداءات جنسية ومنها اغتصابات. وقد تصاعد الحديث عن الاعتداءات الجنسية بعد أن تمكّن المحامون من تنفيذ زيارات لمعتقلين من غزة في معسكر (سديه تيمان) مؤخرًا، عدا عن إفادات وروايات لأسرى مفرج عنهم من غزة، نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي. ونؤكّد في هذه القضية أنّ الاحتلال مارس هذه الجريمة تاريخيا وعلى مدار عقود لكن بمستويات مختلفة وقد وصلت ذروتها منذ بدء حرب الإبادة، لتشكل محطة ممتدة لجملة الجرائم – غير المسبوقة- بمستواها الراهن.